«التشريعية» وامتحان طلب رفع حصانة المسلم ... في ميزان النواب

كفل المشرع الكويتي الحصانة البرلمانية لأعضاء مجلس الأمة في المادتين 108 و110 من الدستور. وتنص الأولى منهما على أن « عضو المجلس يمثل الأمة بأسرها ويرعى المصلحة العامة ولا سلطان لأي هيئة عليه في عمله بالمجلس أو لجانه» فيما نصت الأخيرة على أن «عضو مجلس الأمة حر فيما يبديه من الآراء والأفكار بالمجلس أو لجانه ولا تجوز مؤاخذته عن ذلك بحال من الأحوال».

وتعد هاتان المادتان الضمان الوحيد لممارسة عضو السلطة التشريعية أعماله وسلطاته الرقابية دون ريبة او قيد قانوني او سلطان من جهة على ما يدليه من أراء وأفكار او ما يكشف عنه من مستندات وصور داخل قاعة عبدالله السالم او في اللجان البرلمانية طوال فترة دور الانعقاد، أي انها تعد «الحصانة الحقيقية لممارسة ممثلي الأمة لدورهم الرقابي على أكمل وجه دون إطلاقها اذ تم تقييدها من قبل المشرع بضابطي الزمان والمكان حتى لا تحيد عن أغراضها وأدوارها التي أوجدها المشرع من اجلها وهو العمل البرلماني، اذ قيدها مكاناً بقاعة المجلس ولجانه، وزمانا في ادوار انعقاد المجلس طول فترة الفصل التشريعي».
وعلى ذلك تشهد اللجنة التشريعية اليوم بحث طلب النيابة العامة رفع الحصانة عن النائب الدكتور فيصل المسلم، في سابقة قد تكون الأولى من نوعها التي تواجه المجلس واللجنة التشريعية على خلفية الدعوى المقدمة ضده من احد البنوك المحلية بتهمة «إفشاء أسرار بنكية» والمستندة على صورة الشيك الشهير الذي عرضه في قاعة عبدالله السالم في جلسة 4 نوفمبر 2009 والذي من المفترض ان يناقشه المجلس في جلسة الثلاثاء 30 الجاري وإلا سقطت الحصانة عنه تلقائياً نظراً لمرور شهر على طلب النيابية حسب نص اللائحة الداخلية للمجلس.
وفيما أبدت أوساط قريبة من كتلة التنمية والإصلاح البرلمانية مخاوفها من غياب عدد من أعضاء اللجنة التشريعية عن حضور اجتماع اللجنة بداعي السفر او لدواع أخرى لترجيح كفة موافقة اللجنة على طلب النيابة او للحيلولة دون اكتمال النصاب او مناقشة المجلس للطلب في موعده المحدد الجلسة المقبلة من خلال فقدان النصاب او بأي وسيلة من الوسائل ضمن إطار التجاذبات السياسية، ما سيترتب عليه الرفع التلقائي للحصانة، عبر غير نائب عن مخاوفه من التفريط في الضمانات النيابية والزج بها في اتون العمل السياسي، محذرين من مغبة التفريط بالحصانة البرلمانية وما سيترتب على العمل البرلماني بعد هذه السابقة.

وقال النائب صالح الملا لـ «الراي» إن هذا الطلب يعد سابقة هي الأولى من نوعها خصوصا ان النائب الدكتور فيصل المسلم عرض صورة الشيك داخل قاعة عبدالله السالم وهذا الطلب يعد بحد ذاته سابقة خطيرة لأنه سيجعل النواب يخشون في المستقبل من إظهار أي وثائق او الإدلاء بأي معلومات مهمة داخل جلسات او لجان المجلس، خشية المراكز القانونية التي ستبنى عليها اذا ما اجيب لهذا الطلب، وبالتالي بغض النظر عن موقفي الشخصي من قضية الشيكات فهذا الطلب مرفوض من حيث المبدأ».
وحول مدى دستورية هذا الطلب من عدمه أوضح الملا « ان لكل انسان او جهة حق التقاضي والطلب المنظور اليوم امام اللجنة التشريعية هو طلب مقدم على خلفية قضية مرفوعة من قبل مؤسسة مصرفية وحقها في رفع هذه القضية مكفول. ولكن مسألة تحديد دستورية هذا الطلب من عدمه لا احد يستطيع ان يجزم بهذا الامر ما لم يكن هناك رأي واضح وصريح من قبل المحكمة الدستورية».
واستدرك « لكن تبقى قناعات أعضاء مجلس الأمة هي الحكم في نهاية الأمر. وأنا عن نفسي اعتقد ولا اجزم بان هذا الطلب غير دستوري ويعد سابقة خطيرة من نوعها أن يتم طلب رفع الحصانة عن شخص أثار قضية داخل قاعة عبدالله السالم،وهي ليست القضية الأولى من نوعها اذ سبق وان نشرت احدى الصحف المحلية عرض النائب السابق احمد الخطيب احد الشيكات المحررة لأحد النواب ولم نر هذا البنك طلب رفع الحصانة عن الخطيب».
وتابع الملا « لو أن النائب فيصل المسلم قام بعرض صورة الشيك خارج قاعة عبدالله السالم لكان موقفي مغايرا، ولكن حسب المعلومات المتوافرة لدي لم يقم بهذا الأمر الا في قاعة عبدالله السالم وهذا يعد جزءا من صلاحياته وهي الحصانة التي كان يعنيها المشرع عندما اقر الحصانة البرلمانية، والا فما فائدة الحصانة البرلمانية للنواب؟».
وحول التعاطي الحكومي مع مثل هذا الطلب المقدم من قبل النيابة العامة، أكد النائب خالد الطاحوس خطأ الإجراء الحكومي في التعامل مع مثل هذه القضية بإحالة وزارة العدل طلب رفع الحصانة الى المجلس في قضية أثيرت داخل قاعة عبدالله السالم.
وقال الطاحوس لـ «الراي» إن «هناك محاولات لتفريغ الدستور من محتواه من خلال تفريغ مواده وما نشهده اليوم في هذا الطلب هو مسعى لتفريغ المادتين 108 و110 من محتواهما. وانا حقيقة اعيب على وزير العدل مخاطبته لمجلس الامة بطلب رفع الحصانة عن احد النواب في قضية اثارها داخل قاعة عبدالله السالم، وهي مخاطبة غير دستورية وغير مقبولة بالنسبة لنا كنواب للامة ولن نقبل بها».
وتابع الطاحوس «أهيب بأعضاء مجلس الامة بان يكونوا دقيقين في التعامل مع هذا الطلب الذي سيناقش في اللجنة التشريعية ومن ثم سيحال الى مجلس الامة، والموافقة على هذا الطلب تعد خطورة حقيقية وانتهاكا صريحاً لمواد الدستور وصلاحيات وضمانات النواب».
وعما اذا كان هناك أي خطا اجرائي او قانوني في طلب رفع الحصانة من عدمه استبعد النائب صالح عاشور ان تقع وزارة العدل او النيابة العامة بمثل هذا الخطأ، وقال لـ «الراي»: «لا اعتقد ان النيابة او وزارة العدل تقدم على طلب رفع الحصانة عن نائب على خلفية ما اثاره في قاعة عبدالله السالم فهما أكثر الجهات الملتزمة بالدستور والقانون. ومن حيث المبدأ لا يجوز بأي حال من الأحوال محاسبة النائب على ما يتناوله في قاعة عبدالله السالم سلباً او إيجابا. وبغض النظر عما اذا كان كلامه او تناوله لاي قضية صحيحا او خاطأ فالحصانة البرلماينة جاءت لحماية ممارسة النائب في قاعة ولجان المجلس. ولا يجوز نظر القضاء او النيابة العامة في القضايا القائمة على ما يثيره النواب في قاعة المجلس ولجانه. فالنائب يحاسب على ما يقوله خارج هذين الموقعين، وبالتالي اذا كان هناك أي ادعاء وطلب لرفع الحصانة خارج هذا الإطار فهو طلب مخالف لروح ونص الدستور وهو أخطر ما يكون على الحصانة البرلمانية».
وحول وجود حالات مماثلة لهذه القضية كشف النائب محمد هايف عن انه تقدم الى لجنة العرائض والشكاوى البرلمانية قبل حصوله على عضوية مجلس الامة يطلب منها رفع الحصانة عن احد النواب لمقاضاته على خلفية تعرضه لأحد الصحابة داخل قاعة عبدالله السالم، الا ان المجلس لم يقبل الطلب لمخالفته الدستورية.
وقال هايف لـ «الراي» هناك سابقة في رفع دعوى قضائية على احد النواب عندما تعرض إلى الصحابي الجليل المغيرة بن شعبة. وقد تقدمت بطلب رفع الحصانة عنه ولكن المجلس رفض النظر بالطلب بحجة ان النائب لا يحاسب على ما يثيره في قاعة عبدالله السالم، واذا كان المجلس لم يقبل رفع الحصانة في قضية التعرض إلى صحابي فكيف له ان يوافق على مناقشة والتصويت على رفع الحصانة عن نائب في قضية اثارها عن الشيكات».
وتابع هايف « ومن باب اولى بالمجلس ألا ينصت للطلب المقدم اليوم ضد النائب فيصل المسلم والا يدرجه على جدول الاعمال وكان على مستشاري المجلس رد الطلب للنيابة العامة. فالذي قام به المسلم لا يعد جريمة يدان عليها بل على العكس ما فعله امر مطلوب منه لتدعيم موقفه السياسي في استجوابه».
وحول البعد السياسي لهذه القضية اكد النائب مسلم البراك ان المادة 110 من الدستور واضحة وهناك مساعٍ ليست بجديدة من قبل البعض لتنقيح هذه المادة لترهيب النواب.
وقال البراك لـ «الراي» ان «هذه القضية كانت ضمن خطة حكومية قديمة من خلال محاولات تنقيح المادة 110 من الدستور لخلق حالة ارهاب لدى عضو مجلس الامة، حتى لا يستطيع قول ما يريده او الكشف عما لديه من وثائق ومعلومات في قاعة ولجان المجلس، خصوصاً ان اللائحة الداخلية للمجلس تجيز لرئيس المجلس منع أي عضو من تجاوز ومخالفة القانون لكن هم يريدون خلق هذا الارهاب في نفس العضو ويريدون هذا التردد والتفكير قبل ان يتناول أي قضية ويريدونه ان يعمل ألف حساب لحجم القضايا التي ستنهال عليه اذا تناول مخالفاتهم وتجاوزاتهم وهو امر لا يمكن قبوله».
وتابع البراك «ان هذه الغاية لن نجعلها بإذن الله تتحقق وسنجعلها قضية في الشارع الكويتي ولن نقبل بان يحاسب أي عضو على ما يثيره داخل قاعة ولجان المجلس بأي شكل من الاشكال».
وحول آلية تعاطي لجنة الشؤون التشريعية البرلمانية مع هذا الطلب أكد رئيس اللجنة النائب حسين الحريتي ان «اللجنة ستبحث كافة تفاصيله ووجهة نظر الطرفين خلال اجتماعها صباح اليوم.
وقال الحريتي لـ «الراي»: «نحن حتى الان لم نطلع على القضية والان سيتم بحثها من قبل مستشاري اللجنة التشريعية وبعد هذا البحث سيتم دعوة النائب الدكتور فيصل المسلم للاستماع لرأيه في هذا الامر ومن ثم سنتاقش كاعضاء في اللجنة في هذا الطلب، ونحدد موقفنا منه. ورغم قناعتي بانه لا يجوز من حيث المبدأ محاسبة أي نائب على ما يثيره في قاعة عبدالله السالم الا انني لا استطيع ان احدد موقفي من هذه القضية قبل دراسة كافة تفاصيلها والاطلاع على وجهة نظر الطرفين حتى ابني عليها موقفا».
وبدوره شدد عضو اللجنة التشريعية النائب الدكتور وليد الطبطبائي على أن «هذه القضية ستضع أعضاء اللجنة أمام مسؤولياتهم التاريخية والسياسية، خاصة وان الكيدية واضحة فيها وعليهم رفضها. فأي عضو لا يقبل ضرب صلاحياته التي كفلها الدستور».
وقال الطبطبائي لـ «الراي»: «بصفتي عضوا في اللجنة سأرفض الطلب لان الكيدية به واضحة. فالقضية مستندة على الشيك الذي عرضه المسلم في قاعة عبدالله السالم والنائب لا يجوز ان يسأل عما يثيره في قاعة ولجان المجلس، وبالتالي هذا الطلب مخالف للمادة 110 من الدستور واذا ما تم فسيكون سابقة خطيرة».
ومن جانبه، قال النائب علي الدقباسي لـ «الراي»: «لا يجوز ان يحاسب النائب على ما يتناول من أقوال بأي حال من الأحوال. ونحن نرفض ان يقاضى النائب فيصل المسلم على قضية اثارها بدافع القيام بواجباته الدستورية والرقابية وحماية المال العام. واعتقد ان هذا الطلب ليس طلباً لرفع الحصانة عن نائب وانما هو طلب لرفع الحصانة عن مجلس الامة بأسره».